أحكام الخطبة فى الزواج
*********************************************
الزواج أوالنكاح يبدأ بالخطبة .
والزواج والنكاح لفظان مشتركان بمعنى واحد . فالنكاح فى اللغة معناه الضم والجمع والإلتفاف . وأصل النكاح فى كلام العرب هو الوطء وقيل عن الزواج بأنه نكاح لأنه سبب الوطء فإذا قالوا نكح فلانة أرادوا عَقَد عليها وإذا قالوا نكح امرأته لم يريدوا به إلا الوطء .
والخطبة وعد متبادل بين الخاطبين هدفها الزواج ودوام العشرة بين الزوجين لحفظ النسل وبقاء النوع وتعمير الأرض ولاستمتاع كل منهما بالآخر . حيث يتقدم الرجل فيطلب يد امرأة للتزوج بها ويبدأ التفاوض بينه وبين ذويها فى أمور الزواج أو النكاح وإبداء مطالب كل منهما بشأنه بعد أن يعلم كلا من الطرفين ظروف وأحوال الطرف الآخر على سبيل العلم القاطع أوالظن الراجح .
والخطبة يجب أن تكون بعد رؤية الخاطبين بعضهما البعض ( لما ورد فى الخبر أن المغيرة بن شعبة حينما
خطب امرأة سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها ؟ قال : لا فقال صلى الله عليه وسلم :
أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) سنن الترمذى والنسائى وابن ماجه
ومعنى "يؤدم بينكما " هو : أن تدوم المودة والألفة والمحبة وأن تنشأ الرحمة والإحسان والشفقة .
والرؤية بين الرجل والمرأة يلزم فيها عدم الخلوة لأن الخلوة محرمة فلا يجوز بأى حال من الأحوال أن يختلى الخاطبين كل منهما بالآخر ولا يغلق دونهما باب . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا يخلونّ رجل بامرأة ) صحيح البخارى .
ولايجوز للخاطب أن يُقدِم على خطبة امرأة خطبها غيره لما فى ذلك من تعدٍ على أخيه المسلم ولما يورثه هذا من كره وبغضاء ومن شحناء وعداوة . يقول نبى الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم :
( لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) الصحيحين البخارى ومسلم .
وعلى الخاطب فى خطبته واختياره لزوجته أن يتخير من النساء المرأة الديّنة أى من هنّ أوْلاهن فى الدين والخلق ثم تأتى المفاضلة بين النساء لمن هنّ مِن ذواتى الغنى فى المال أو الحسب أو الجمال .
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه
وللخاطب أن ينظر إلى مخطوبته وأن يتأمل محاسنها دون تلذذ أو شهوة .
وعليه أن يشرح حاله للمرأة التى يريد الزواج منها حتى تكون على بصيرةٍ من أمره ويكون هو على يقينٍ
من حاله . وإن لم تعجبه فعليه أن لا يبوح بما أساءه منها لأنه إيذاء لها ولأهلها .
............
والناس فى النكاح أو الزواج على ضربين : إما تائق له ومحتاج إليه . وإما غير تائق .
من يتُوق إليه على فرضين :
إما أن يكون واجداً أهْبته ليس به علة أو مرض تمنعه من الوطء ومستطيعاً لمؤْنته كالمهر والصداق والنفقة وخلافه . وإما أن يكون قادراً على الوطء والجماع . ولكنه عاجز عن مؤنته ونفقته .
الأول : يجب عليه الزواج .
أما الثانى : وهو من يتوق إليه ولكنه عاجز عن مُؤَنه من نفقة أومهر أو مسكن وما إلى ذلك فإن الأوْلى به ألا يتزوج وأن يُلزِم نفسه العفة والعفاف لعدم قدرته على الوفاء بما فى الزواج من التزامات وما يقتضيه من حقوق وواجبات إلى أن ييسرالله له أمره ويرزقه الله من نعمته وفضله . يقول تبارك وتعالى :
( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )
فإن خَشِىَ العَنَت وهو خوف الزنا فليكسر شهوته بالصوم . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه
والباءة فى اللغة : هى الجِماع وهى مأخوذة من المبائة وهى المنزل . فمن نكح امرأة فقد بوأها منزله .
ومعنى الحديث النبوى الشريف أن من استطاع منكم الوطء والجماع والقدرة المالية على الزواج فليتزوج . ومن كان عاجزاً عن مؤنته فعليه أن يستعفف بالصيام إلى أن يغنيه الله من فضله ويتيسر له أمره والصوم سوف يقيه الذنوب والآثام ويكسر شهوته ويسكنها ويقطع شر مَنِيّه كما يقطعه الوِجاء .
( والوجاء هو ترضيض الخصية ) .
أما الضرب الثانى : وهو غير التائق إليه . فإما أن يكون عدم توْقه إليه نتيجةً لزهده فى الزواج أوالنكاح
فتخلى عنه للعبادة . وإما أن يكون نتيجة مرض ألمّ به أو عِلّة أصابته أو لوجود عيب فى فِطرة خلقه مثل الجب والعنّة فمنعه من القدرة على الوطء والجماع .
............
والزواج أو النكاح من سنن الأنبياء وهدْى المرسلين . يقول رب العالمين لنبى الله صلى الله عليه وسلم :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً )
فالزواج والمصاهرة آية محكمة وسنة متبعة وأثر مستفيضوبر للقريب وتقريب للبعيد وتأليف للقلوب
وتشبيك للحقوق وتكثير للعدد فى الولد لنوائب الدهر وحوادث الأمور لا يرغب من دونه اللبيب ولا
يسارع له إلا الموفق المصيب. وأولى الناس بالله من اتبع أمره وأنفذ حكمه وأمضى قضاءه ورجا جزاءه.
يقول نبى الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم : (تزوجوا فإنى أكاثر بكم الأمم ) . رواه ابن ماجة
فمن آيات الله ومعجزاته أن خلق الله لنا المرأة فخلق أمنا حواء من سيدنا آدم عليهما السلام وأنشأ بينهما الألفة والمودة والرحمة وشرَع سبحانه التزاوج بين الذكر والأنثى وجعل من مقاصد هذا الزواج الشهوة واللذة لكى يستمتع الزوج بالزوجة وتستمتع الزوجة بالزوج وتدوم السكنى والعشرة .
يقول تبارك وتعالى :
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )
وبالمساكنة والإستمتاع بين الذكر والأنثى يلبس كل منهما الآخر ويسكن إليه . ومن المساكنة والملابسة تأتى الرغبة فيتغشى الزوج زوجته وباللذة والشهوة فيما بينهما يختلط الماءين ماء الرجل وماء المرأة . وإذا ما لقح المنى البويضة نتج الحمل ومن الحمل يأتى التناسل فتتعاقب الذرية والسلالة .
يقول سبحانه وتعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً )
............
الكفاءة : معنى الكفاءة فى اللغة هى المماثلة والمساواة . يقول عز وجل : ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) .
فشهد الله لنفسه وكفى به شهيداً بأنه سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد لا ند له ونظير ولا مثيل وأنه الفرد الصمد لا يوجد من يساهمه أو يناويه ولا من يشاركه أو يساويه .
وأهل الإسلام جميعهم أكفاء تتكافأ دماؤهم فهم متساوين فى الحقوق والواجبات ومتماثلين فى التكليف والتشريف ولكن : إنِ اتبعوا ما أمرهم الله به وما نهاهم الله عنه . لأن الله سبحانه وتعالى لم يفضل إنساناً على آخر إلا بالتقوى . يقول جل شأنه فى كتابه الكريم ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .
والكفاءة بين الخاطبين تعنى المماثلة والمساواة بين الخاطب ومخطوبته ومعيارها هو : الدين والخلق .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) رواه الترمذى وابن ماجه
فوجب على الأب أو ولىّ المرأة أن لا ينكح ابنته أو من هنّ فى ولايته إلا الأتقياء من الناس فالتقىّ إن أحب زوجته أكرمها وإن أبغضها أنصفها . فتتزوج ذات الخلق والدين من ذى الخلق والدين .
يقول عز وجل : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )
فالفاسق العاصى ليس بكفء للطيبات من النساء والفاسقة العاصية ليست بكفء للطيبين من الرجال .
فإن رضِى الولى أن يزوج ابنته من فاسق عاص أو رضيت به المرأة فهنا قد اختلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح . وفى هذه الحالة لن يستقيم الزواج بينهما ولن يدوم لأنه لا يستوى الظل والعود أعوج ولا يستوى المذهب وصاحب المقالة أهوج .
فالفاسق الذى يقتحم الآثام ويحتقب الأوزار ولايطيع الله فى أوامره ولاينتهى عن زواجره لا يناسب حاله إلا فاسقة مثله ممن هى من معدنه وممن هى على شاكلته وديدنه . يقول تبارك وتعالى :
( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ )
فالخبيث لايستطيب إلا بخبيثة مثله . والخبيثة لايطيب لها إلا خبيث مثلها .
فمن عُلِم فسقه وعصيانه بعد أن أنعم الله عليه بنعمة الإسلام فلم يأتمر بما أمر الله به ولم ينته عما نهى الله عنه فهو يعد من عداد أهل الجاهلية حتى ولو بدا أمام الناس فطِناً لبيباً أوعالِماً جليلاً .
وإن عدم الكفاءة بين الخاطب ومخطوبته فى أمر من الأمور أو حال من الأحوال فهو وإن كان ليس مفسداً أو مبطلاً لعقد الزواج إلا أن الإخلال به غالباً ما يسبب الفُرقة والخلاف ودائماً ما يؤدى إلى سوء العشرة وعدم الصلاح . يقول الإمام الشافعى فى " الأم " : ( وليس نكاح غير الكفء محرماً فأرده إنما هو نقص على المزوجة فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده ) .
فعلى الأب أو الولىّ للمرأة أن يتيقن ممن أتى يطلب يد ابنته عما إذا كان الخاطب الذى أتاه كفأ لها أو غير كفء . وأن يكون يقينه على سبيل العلم القاطع أوالظن الراجح . وأن يضع فى اعتباره وقت اختياره ما يجمع بينهما من صفات كالسن والجمال والحرفة والعفة واليسار والبكارة وما إلى ذلك من أمور وتلك أمور نسبية تختلف من شخص إلى شخص أو من بلد إلى بلد أو ما بين دولة وأخرى .
...
فالكفاءة يجب الإعتداد بها قبل الإقدام على الزواج لأنها هى التى تؤدى إلى التوافق بين الرجل والمرأة
وبها تتحقق المساواة بين الخاطبين وتستقر الحياة بين الزوجين . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ثَلاثٌ لا تُؤَخِّرْهَا الصَّلاةُ إِذَا آنَتْ وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ وَالأيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا ) رواه الترمذى
والمرأة هى الأقدر والأجدر على أن تزن أمور مخطوبها ومن سيكون زوجها . وعلامة رضا البكر صمتها
وغير البكر قولها . لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأنس وإذنها صماتها " سكوتها " ) صحيح مسلم
فلا يجوز للأب أو الولى أن يجبر أو يكره ابنته أو من هن فى ولايته على الزواج بمن هو غير كفء لها أو أن يعقد عليها بغير أمرها أو دون رضاً منها .
وما ورد فى الحديث النبوى الشريف من أن الثيب أحق بنفسها من وليها لا يعنى أن تزوج نفسها بنفسها دون إذن من وليها فأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل . إنما المقصود أحقيتها فى الإفصاح بقولها الصريح فى الإختيار برضاها أو عدم رضاها .
كما أنه ليس معنى سكوت البنت البكر حال الإستئناس برأيها أو صمتها بأنه إقرار منها بالرضا والقبول لأن ما قُبل فيه الإقرار يجوز أن يُقبل فيه الإنكار .
............
العدول عن الخطبة : وهو عدول أحد الخاطبين عن خطبته ونكوثه عن الوعد الذى تم الإتفاق عليه بين كلا الطرفين . هذا العدول وإن كان حقاً مقرراً لأى منهما إلا أن العادل يلتزم بالتعويض عما يسببه من ضرر ينشأ أو يلحق بالطرف الآخر نتيجة عدوله وجراء إخلاله بالتزامه وبالوعد الذى وعد به .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أبى سعيد الخدرى .
فلو تم العدول بعد إعلان الخطبة وإشهارها أو بعد قراءة الفاتحة أو عقبها فسبّب ضرراً وكان للعادل
دخلٌ فيه يكون ملزماً بالضمان . وهذا الأمر يرجع إلى العرف الجارى والسائد بين الأفراد بعضهم البعض أو حسب اختلاف البلدان والأقطار .
وذهب بعض الفقه الإسلامى إلى أنه فى حالة العدول عن الخطبة فإنه يسترد كل من الطرفين هداياه
التى قدمها للآخر فإن استهلكت أو استهلك شىء منها فهو يعد فى حكم الهبة لا يجوز المطالبة به .
ولقد فرّقت المالكية هنا بين ما إذا كان العدول من جهة الخاطب فقالوا : ليس له أن يسترد شيئاً منها وإن كان من جهة المخطوبة
فللخاطب استرداد ما قدمه من هدايا سواء كانت عينية أو نقدية إلا أنهم قالوا : مالم يكن العرف السائد خلاف ذلك .