ينبغي على كل حصيف أن يتأمل أحوال من سبقوا، و كيف كانت نهاياتهم ، ليعتبر من كان له بصر، لأن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث ، أو قصص للتسلية ، كما يتصور الكثير منّا ، بل التاريخ مدرسة تربوية قائمة على أصولها ، من تتلمذ و أخذ الدروس فيها نجى ، و تجنب غوائلها ، و من أبى رمت به لججها في غياهب التاريخ ، و سجلته في صفحاته السوداء...نعم الكثير منّا تأخذه البوارق ، و تطمس بصيرته ، حين يرى الباطل منتفشا ، و الحق منحسرا ، و كأن الحياة منحت لفئة دون أخرى ... وهذا ما لا يقبله منطق سليم و لا عقل قويم ، ناهيك عن سنن الله في الأنفس و الأفاق ..و لهذا قال علماؤنا الأوائل الذين لم تكدر شواغل الحضارة و صوارفها فطرتهم ؛ بأن سنة التدافع كسنة الإملاء و الإستدراج ؛ جارية المفعول في كل الأزمنة و الأمكنة ،، فمهما رأيتم إنسانا قد أُعطي و زيد له في العطاء رغم غدراته و فجراته ، فإنما هي آذان بالأفول المسبق بالإملاء ، المفضي إلى التدمير، و إن شئت فاسمع إلى قوله تعالى :"فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر الذين ظلموا و الحمد لله ربّ العالمين" إنها السنّة التي يغفل عنها الكثير، حتى إذا نزلت بساحتهم ، و قرعت بابهم ، أخذوا حينها في الجؤار و البكاء ، و لكن السنة التي لا تحابي أحدا تجيبه بلسان الحال : آلآن وقد عصيت من قبل و تجبرت !... لقد شهد تاريخ البشرية نماذج متنوعة من نهايات في الأرض أليمة ، وسقطات فضيعة لطغاة سلبوا الخلق أدنى مقومات الحياة ، و بارزوا الخالق في أخص خصائصه ؛ و هوالتأله ، و استعباد البشر ، و سوقه إلى حضيرتهم بقوة الحديد و النّار..!
إن لله في تأخير النصر ، و أخذ الطغاة حكمة وراء كل وضع ، و وراء كل حال ، فلا يستعجل الإنسان كل أمر بقدر ،،! فهو وحده الذي يعرف الحكمة المكنونة في غيبه المستور، و الحكمة التي تتفق و مشيئته في خط السير الطويل ،، و في بعض الأحيان يكشف لنا الله بعد أجيال و قرون عن حكمة حادث لم يكن معاصروه يدركون حكمته ، و لعلهم كانوا يسألون لماذا ؟ لماذا يا رب يقع هذا ؟ و هذا السؤال نفسه هو الجهل الذي يتوقاه المؤمن ...و يريد الله بذلك أن يغرس في أذهان المؤمنين التصور الحقيقي للأشياء ، و يسكب في بصائرهم النورالكاشف الذي ينظر إلى الحقائق بنظرة طبيعية ، و يزنها بميزان ربانيّ دقيق ،،،لا بميزان البشر الذي يخضع للأهواء ، و المتغيرات الإقتصادية ، و الإجتماعية ، و السياسية ،،،بل معادلة السنن الربانية في الآفاق ، و الأنفس ؛ واحدة ذات ثوابت لا تتغير ، و لا تتبدل ؛ إنّها السنن التي تجعل الزبد جفاء ، و الباطل هباء ...
إن الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال ؛ هي الرؤيا التي قصها عليّ رفيقي ، و التي رأى فيها "جورج بوش" غارقا في شعبه يطاردونه من كل مكان ، و نساء يترقبنه بسياط من نار و هو يجري ، و لا يدري أين يذهب ، فإذا به أمامي يبكي و يستجير بي ، و يقبل قدمي ،،، فقال لي ماذا ترى يا صاح ؟! فقلت له إن تأويل الرؤيا فتوى ، و لكن سأجتهد و لا آلوا ؛ إن " بـــــــوش " الذي قتّل الأطفال ، و رمّل الرجال ، و النساء ، و جوع الحيوان و الإنسان ، و تدخل في شؤون البلدان بلا تفويض و لا توكيل ، من أجل إشباع غرائزه الحيوانية ، و التلذذ بدموع الأمهات ، و آهات الرجال ؛ سيدركه الغرق كما أدرقرينه فرعون من قبل جزاء أفعاله الغبية التي أهلكت الحرث ، و النسل،،، إن ساعة فرعون لقريبة لآيلة إلى الأفول...
سيقول بعض من أصابتهم لوثة مادية ، ونكسة روحية ؛ إن هذا التعليل رجعي لأنه يستمد معاييره من الدين ، و الأخلاق ، سيقولون أنه تفسير غير موضوعي ، و غير علمي ، و إلى غير ذلك من الترهات ، و التملصات ن و التبريرات...و الحقيقة أن الباطل يغفل سنة الإملاء ، و الإستدراج ؛ لأنه يرتكز في تفسيره للتاريخ و الوقائع إلى المادة ، و أن البقاء في نظرهم للقوى ، و ليس للأصلح ، و أن الغالب هو الأفضل... إن الباطل يمكن أن ينتفش في الأرض في فترة أو فترات من الوقت ، و يستعلي على الحق حسب سنة من السنن الربانية ؛ هي الإملاء للباطل قبل تدميره ، و اجتثاثه منت أصوله " فأمليت للذين كفروا ثمّ أخذتهم فكيف كان عقاب " الرعد...