آداب الصيام .. منهج السنة
" بسم الله الرحمن الرحيم "
*****
إن كل العبادات فى الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج ، وكل
عمل صالح فى هذه الحياة ينبع من الإنسان ويعود إليه ومداره
كله على الذات ..!! وكذلك كل معصية ترتكب من الإنسان يرتد
إليه جزاؤها . فالصوم من العبادات الشخصية التى يجب أن يتحرى
فيها الإنسان الصدق وإخلاص النية ( الصوم ) لله ، لقوله صلى
الله عليه وسلم عن رب العزة : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم
فإنه لى وأنا أجزى به " حديث قدسى رواه الشيخان .
وإن نسبة الصيام إلى الله ، نسبة تشريف وتكريم للصيام والصائمين
وأن الله تعالت قدرته ووسعت رحمته كل شىء ، وهو الذى خلقنا
فى أحسن تقويم ،وهو أعلم بحدود قدرتنا ، فلا يكلفنا بما لا تسعه
أنفسنا وتعجز عنه قدرتنا ، وأن خلقنا على هذه الهيئة التى سماها
رب العزة أحسن تقويم ، هى الاستعداد الحسى والمعنوى والروحى
لعبادة الله ، قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
والحكمة فى شرعية الصيام أن فيه تزكية للنفس وتطهيرا وتنقية لها
من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة ، بذا يكون شهر رمضان شهر
تطهر وعبادة وتقوى .. ولكن سوء فهمنا لمقاصده نجعله شهر كسل
وخمول وسهر فى غير طاعة .. وإن الإسلام يريد لنا من وراء الصوم
سلامة الأبدان ويقظة الإيمان .. وإحياء المعانى الروحية العليا فى
الإنسان ، والإحساس بالفقير والمحروم ، فمن واجبنا أن نحرص على
تحقيق هذه المعانى النبيلة التى جاءت بها السنة الطاهرة المطهرة .
يقول الشاعر " المسلم " :
ياخادم الجسم كم تشقى بخدمته
أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
سنة السحور :
الإتيان بالسحور ، مستحب وهو من سنة النبى صلى الله عليه
وسلم وقد أجمعت الأمة على استحبابه وأنه لا إثم على من تركه
كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحث على السحور بقوله:
" تسحروا فإن فى السحور بركة " متفق عليه .
وعن المقدام بن معد يكرب عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال :
" عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك " رواه النسائى بسند جيد
والمراد بالبركة الأجر والثواب ، وإنه يقوى الصائم وينشطه ويهون
عليه الصيام . والسحور من خصائص الأمة الإسلامية وهو فصل ما بين
صيامنا وصيام أهل الكتاب ، فقد ورد من حديث عمرو بن العاص رضى
الله عنه عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : " فصل ما بين صيامنا وصيام
أهل الكتاب أكلة السحور " أخرجه الترمذى .
بم يتحقق السحور :
يتحقق السحور بكثير الطعام وقليله ولو بجرعة ماء ، فعن أبى سعيد الجدرى:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السحور كله بركة فلا تدعوه ، ولو
أن يتجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على
المتسحرين " رواه أحمد وقال : يرحم الله المتسحرين )
وفى صحيح مسلم : أن عائشة رضى الله عنها سئلت عن رجلين أحدهما
يعجل الإفطار ويعجل السحور فقالت : أيهما الذى يعجل الإفطار ويؤخر
السحور ؟ قيل لها هو عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قالت : كان رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصنع .
وقت السحور :
تأخير السحور أفضل وهو من السنة ، ويمتد وقت السحور إلى أن يتبين
الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر لقوله تعالى : ( كلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام
إلى الليل ) سورة البقرة. والخيطان المعنيان فى الآية الكريمة هما بياض
النهار وسواد الليل ، وقد جاء عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أوذنه
بالصلاة وهو يريد الصيام فشرب ، ثم ناولنى وخرج إلى الصلاة وهذا قبل
الفجر ، لحديث أنس فى الصحيحين : إن بلالا يؤذن بالليل فكلوا واشربوا
حتى ينادى أبن أم مكتوم ، وكان أبن أم مكتوم رجلا أعمى لا يؤذن حتى
يقال له : أصبحت أصبحت .
أخرج البخارى عن أنس عن زيدبن ثابت رضى الله عنه قال : ( تسحرنا
مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت : كم كان بين الأذان
والسحور قال : قدر خمسين آية ) وقوله (قدر خمسين آية) أى متوسطة لا
طويلة ولا قصيرة ، ولا سريعة ولا بطيئة .
فعلى المسلم أن يتبع منهاج السنة الطاهرة المطهرة التى هى سبيله إلى
شرع الله ، فيؤخر السحور إلى آخر الليل حتى يتمكن من مواصلة السحور
بالصلاة وهو أنفع لصحته وأدعى لراحته ، فإذا أكل ونام فقد أضر نفسة
وخالف سنة نبيه الرحيم بالمؤمنين والطبيب لأرواحهم وأبدانهم عليه
صلوات الله وسلامه .
الشك فى طلوع الفجر :
إذا شك المسلم أثناء تناوله طعام السحور فى طلوع الفجرفلهأن يأكل
ويشرب حتى يستيقن من طلوعه ، ولا يعمل بالشك ، فإن الله عز وجل
جعل نهاية الأكل والشرب التبين نفسه ، لا الشك ، فقال جل شأنه :
( كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، قال رجل لأبن عباس رضى الله عنه أنى
أتسحر فإذا شككت أمسكت ، فقال أبن عباس : كل ما شككت حتى لا تشك .
قال أبة داود : قال أبو عبدالله ( هو أحمد بن حنبل ) : إذا شك فى الفجر
يأكل حتى يستيقن طلوعه . وهذا مذهب أبن عباس وعطاء والأوزعى
واحمد رضوان الله عليهم .